اتقوا الله .. واعدلوا بين أبنائكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تصدق علي أبي ببعض ماله . فقالت أمي عمرة بنت رواحة :
لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ليشهده على صدقتي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفعلت بولدك هذا كلهم ؟ )
قال : لا . قال ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) . فرجع أبي . فرد تلك الصدقة .
الراوي: النعمان بن بشير المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1623
خلاصة حكم المحدث: صحيح
هذا الحديث يدلّ على أمر مهمّ من العدل الذي أمر الله به فقال إنّ الله يأمر بالعدل ألا وهو العدل بين الأولاد.
وكما أن الله قد أوصى الأبناء ببرّ الآباء وجعل حقّهم عظيما عليهم وقرنه بحقّه وتوحيده سبحانه فقال (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) فكذلك جعل على الآباء حقوقا للأبناء مثل التربية والنفقة والعدل بينهم .
وَفي الحديث إشَارَةٌ إلَى الْعَدْلِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ فِي التَّسْوِيَةِ تَأْلِيفَ الْقُلُوبِ وَالتَّفْضِيلُ يُورِثُ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمْ .
ولأنّ عدم العدل يُفضي إلى العقوق فيقول من حُرم أو نُقِص أبي ظلمني وفضّل أخي عليّ فيتسلل إلى نفسه شيء من الكراهية لأبيه ومن الناحية الأخرى يزرع الشيطان بذور الشحناء بينه وبين أخيه الآخر الذي أُعطي أكثر منه وقد جاءت الشّريعة بسدّ كلّ طريق يوصل إلى الحقد والشَّحْنَاءُ والعداوة والبغضاء بين المسلمين عموما فكيف بالأخ تجاه أخيه وشقيقه .
وأنّ العدل بين الأولاد لَا يَخْتَصُّ بِالْعَطِيَّةِ بَلْ مِثْلُهَا التَّوَدُّدُ فِي الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ. وكان بعض السّلف يحرص على التسوية بين أولاده حتى في القُبُلات.
إن من الظواهر الاجتماعية السيئة الموجودة في بعض الأسر عدم العدل بين الأولاد فيعمد بعض الآباء أو الأمهات إلى تخصيص بعض أولادهم بهبات وأعطيات دون الآخرين وهذا على الراجح عمل محرم إذا لم يكن له مسوّغ شرعي كأن تقوم حاجة بأحد الأولاد لم تقم بالآخرين كمرض أو دين عليه أو مكافأة له على حفظه للقرآن مثلا أو أنه لا يجد عملا أو صاحب أسرة كبيرة أو طالب علم متفرغ وعلى الوالد أن ينوي إذا أعطى أحدا من أولاده لسبب شرعي أنه لو قام بولد آخر مثل حاجة الذي أعطاه أنه سيعطيه كما أعطى الأول. وَإِنْ سَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، أَوْ فَضَّلَهَا عَلَيْهِ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْبَنِينَ أَوْ بَعْضَ الْبَنَاتِ عَلَى بَعْضٍ، أَنَّ بَعْضَهُمْ لَهُ عِيَالٌ وَبِهِ حَاجَةٌ يَعْنِي فَلَا بَأْسَ بِهِ .وأنه يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث وفي بعض الأسر يجد من الآباء من لا يخاف الله في تفضيل بعض أولاده بأعطيات بعضهم على بعض ويزرع بينهم العداوة والبغضاء. وقد يعطي واحدا لأنه يشبه أعمامه ويحرم الآخر لأنه فيه شبها من أخواله أو يعطي أولاد إحدى زوجتيه مالا يعطي أولاد الأخرى وربما أدخل أولاد إحداهما مدارس خاصة دون أولاد الأخرى، أين هؤلاء من قوله تعالى (اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله )
فإن المحروم لا يبر بأبيه مستقبلا
انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله !
اشهد أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي . فقال ( أكل بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان ؟ )
قال : لا . قال ( فأشهد على هذا غيري ) . ثم قال ( أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ )
قال : بلى . قال ( فلا ، إذا ) .
الراوي: النعمان بن بشير المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1623
خلاصة حكم المحدث: صحيح
إِنَّ لَهُمْ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ كَمَا أَنَّ لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَبَرُّوكَ.
ومن وجوه عدم العدل بين الأولاد كذلك الوصية لبعض الأولاد أو زيادتهم فوق نصيبهم الشرعي أو حرمان بعضهم، وتعمد بعض النساء إلى الوصية بذهبها لبناتها دون أبنائها مع أنه جزء من التركة وهذا كله لا يجوز فإنه لا وصية لوارث،
وعلى كلّ من الأبوين أن يذكّر الآخر إذا لم يعدل ويقف الموقف الحازم حتى يتحقّق العدل
أن العدل بين الأولاد يراعى فيه تفاوت حاجاتهم فمصروف الولد الجامعي ليس مثل الولد في الصفّ الأول ولعبة الولد ذي السنتين ليست كلعبة الولد ذي الثمان والعشر والبنت تُزيّن بذهب لا يجوز للذّكر لبسه وأنّه يعطي كلّ ولد ما يحتاجه فإن تساووا في الحاجة والحال ساوى بينهم في الأعطيات على النحو المتقدّم ، والله تعالى أعلم
نسأل الله تعالى أن يرزقنا البرّ بآبائنا والعدل في أولادنا واثبات على ديننا وصلى الله على نبينا محمد .
:hear